الثلاثاء، 19 أبريل 2011

الديمقراطية علي طريقة المهلبية المصرية


كثيرا ما ردد الليبراليون والعلمانيون ودعاة الحريات شعارات مطالبة بـ’’الديمقراطية والحريات والحقوق’’، وكان أهم ما عابوه علي النظام السابق قمعيته وديكتاتوريته وعدم تقبله للرأي الآخر .. حتي أنهم إذا قيل لهم تعالوا نحتكم للإسلام وشريعة الله لتضبط لنا حياتنا وواقعنا فإنهم يأبون إلا الديمقراطية والاحتكام لإرادة الشعوب ..

وفجأة رحل النظام السابق بشكل غير متوقع ولأول مرة يصبح شعبنا في مواجهة مع الحرية .. وكان التوجه الأعلي صوتاً هو من ينادي بـ’’الديمقراطية’’ والاحتكام لإرادة الجماهير وأكد هؤلاء أن شعبنا واعي وناضج ويمكن الاحتكام لإرادته .. ورضخ الجميع لمرجعية ’’الديمقراطية’’ التي تؤكد أن اختيار الشعب هو الذي يجب أن يسود وأن الأقلية عليها احترام اختيار الأغلبية مهما كانت ..

وكانت أول خطوات الديمقراطية أن نحدد بداية الطريق .. وبالتالي كان الاستفتاء علي الدستور هو النقطة الحاسمة .. وكان نزول الجماهير للإدلاء بأصواتها هو الاختبار الحقيقي .. وبالفعل تم هذا وسط انقسام طبيعي لفريقين ..فريق يقول ’’نعم’’ لبقاء الدستور .. وفريق يقول ’’لا’’ لاستمرار الدستور .. وكل فريق له أسباب ودوافع شتي، لكن الفريقين اجتمعا علي أن إرادة الجماهير واختيارها هو الذي سيسود ..

وتم الاستفتاء في أجواء إيجابية في مجملها ولم يستطع أحد الإنكار علي النزاهة والحياد الذي ساد في هذا الاستفتاء ’’إلا من بعض التجاوزات المحدودة’’.. وظهرت النتيجة بأغلبية تقول ’’نعم’’ وأقلية تقول ’’لا’’ .. وكان معظم من قال ’’لا’’ مصنفين علي أنهم من التيار الليبرالي العلماني الذي كثيراً ما تشدق بالحريات واحترام حقوق ’’الآخر’’ ، وبالطبع كان الاستفتاء هو المحك الحقيقي لمدي مصداقية دعاة الحرية .. وكانت النتيجة سقوط بل انهيار شنيع لهذا التيار واكتشفنا أن كثير من دعاة الحريات والحقوق إنما هم أدعياء وغير ملتزمين ولا مقتنعين بحدوتة الحرية والحقوق والديمقراطية..

وسريعاً ما سقطت الأقنعة .. فتيار الحريات والديمقراطيات وقبول الآخر سرعان ما صرخ ’’تولع الديمقراطية لو أتت لنا بهذا أو بذاك’’ .. وظهرت لنا تصريحات من عينة ’’الدولة مدنية واللي مش عاجبه يخبط راسه في الحيط ’’!!! .. وظهرت لنا الكثير والكثير من التعليقات التي خلاصتها ’’أن الشعب في معظمه جاهل وأمي ومنساق وراء التيارات الدينية التي أوهمته أن من يقول نعم في الجنة ومن يقول لا في النار .. وان من قال نعم إنما قالها بعدما اشتراهم الاسلاميين بـ’’شوية زيت وشوية سكر’’’’ .. وهكذا فوجئنا بأن التيار الذي طالما تغزل في الجماهير وإرادتها ووعيها ونضجها وراهن علي اختيارها قد تحول للتشكيك في تلك الجماهير لمجرد أنها قررت التوجه نحو اختيار لا يوافق اتجاهات العلمانيين والليبراليين..

وهكذا تأكد للجميع أن النظام السابق وإن رحل بقالبه لكن قلبه لازال ينبض في هياكل جديدة .. هياكل ترفض وتلفظ كل ما سواها وكل ما يخالفها بل وتستطيع أن تعد التهم المعلبة بلا دليل ولا بينة ويساعدهم في هذا امتلاك أموال ووسائل إعلام كثيرة وكبيرة .. وهكذا لم نجد هؤلاء يختلفون كثيرا عن من قالوا سابقا ان الشعب المصري ’’غير مؤهل للديمقراطية’’ .. وبالتالي لنا أن نتخيل أن ’’الوصاية’’ علي هذا الشعب لاتزال مستمرة وإن اختلف ’’الأوصياء’’.. وفي نظر هؤلاء لكي يكون الشعب ’’واعي وناضج’’ فلابد له أن يري بعينهم ويتكلم بلسانهم ويفكر بعقولهم أما ما سوي ذلك فسيكون شعب متخلف ورجعي وغير مثقف ويمكن شراء ذمته لتوجيه إرادته ..

لقد نسي هؤلاء أنهم إن شككوا في قدرات هذا الشعب إنما يشككون في أنفسهم إن وصلوا يوما للسلطة بإرادة هذا الشعب لأن نفس الاتهامات بالطبع سيتم توجيهها من جانب الأقلية آنذاك بأن الشعب خضع ’’لغسيل مخ وشراء ذمته’’ .. وبالتالي نجد أن هؤلاء قد فتحوا باب التشكيك في اختيارات هذا الشعب لأنهم هم من بدأ الترويج لمفهوم أن ’’الشعب جاهل ويمكن شراؤه ويمكن توجيهه والضحك عليه’’

لقد كان خلاصة ما رأيناه من أدعياء الحريات أنهم يريدون ديمقراطية ’’ملاكي’’.. حاجة كدة علي مقاسهم بالظبط وإلا فإنهم بما يملكون من مال ودعاية قادرون علي الصراخ وتشويه أي صورة تخالفهم مهما كانت نظيفة ومنضبطة وعلي حق .. وهكذا وبعد أن أصر هذا التيار علي ضرورة تطبيق الديمقراطية ورضخ لهم الجميع وظنوا أن الأمر بالفعل انصياع لإرادة الجماهير ولكن عندما خضع الجميع لقواعد اللعبة التي اختارها الليبراليون اذا هم ينكثون وينقلبون علي ما كانوا يدعون له من قبل.. واتضح للجميع أنهم إنما يريدونها ديمقراطية مقتصرة عليهم وبهم ولهم ولأجلهم .. أما من يخالفهم فهو الجاهل الأمي العامي .. لأنهم هم وفقط الصفوة القادرة علي توجيه الرعاع لما فيه الخير والصواب وفق ما يرونه صحيح

وللأسف فوجئنا بالإعلام في غالبيته متجاوب مع تلك الثلة ومفتقد لأبجديات الإعلام المحايد الموضوعي .. وتطور الأمر عندما فوجئنا ببيان أو تصريح للمجلس العسكري يقول أن مصر لن تكون غزة ولن يحكمها خميني آخر!!!! .. وهو كلام غريب وعجيب وتدخل سافر في إرادة الشعب لأن أسس الديمقراطية وأصولها تقول أن الشعب له ان يختار ما يريد .. فماذا لو أرادها الشعب دينية إسلامية؟؟ أليست هذه هي الديمقراطية؟ أليست هذه هي قواعد اللعبة؟ فلماذا تلك الإملاءات المسبقة؟؟!!!

تواكب كل هذا مع حملة منظمة تم شنها ضد التيار الاسلامي وتحديدا السلفي منه .. ولهذا وجدنا أنه يتم تمرير والتغاضي عن تصريح يتحدث عن ’’خناقة’’ انتخابية وهو تصريح يوازي إن لم يكن يفوق الحديث عن’’غزوة الصناديق’’ لأن من تحدث عن غزوة الصناديق كان في جلسة من المفترض أنها ليست موجهة للإعلام بعكس صاحب ’’الخناقة’’ الذي ظهر علي فضائية ويعي ويدرك أن الجميع يسمع وسيحلل أقواله .. ولا أدري صراحة ما الفرق بين ’’المعركة الانتخابية’’ وهو مصطلح متداول ومنتشر اعلاميا وشعبيا وبين ’’غزوة الصناديق’’ إلا إذا كان المتلقي متربص ومترصد ويريد اختلاق أزمة .. ومع هذا تم تمرير الأولي وانقلبت الدنيا علي الثانية .. وأيضاً تم التركيز علي الإسلاميين الذي وجهوا وحشدوا الجماهير لقول نعم واستغلوا المساجد ورجال الدين لذلك .. وفي نفس الوقت تم التغاضي عن الكنائس والرهبان الذين وجهوا جماهير أخري لقول لا ..!!

وعندما فرغت الادعاءات التي لها أصل بمعني ’’فيديو لشيخ’’ يتم تهويل معناه وتضخيم دلالاته والحديث عن الشيخ الذي قال والعالم الذي فعل والشيخ الذي عطس فبعد أن فرغوا من كل هذا تم التحول لاصطناع وتأليف أحداث وحوداث ونسبها للسلفيين كقطع الأذن وحرق الأضرحة .. وظهر الإعلام ليؤكد بشكل قطعي أن السلفيين هم الجناة في تلك الأحداث وتكلموا وكأن الأمر مسلم به وليس أمر يخضع للتحقيق .. وحتي بعد أن أثبتت التحقيقات أن السلفيين لا علاقة لهم بقطع الأذن ولا حرق الأضرحة فإن الاعلام ظل يردد نفس الاتهامات بشكل يدعوا للدهشة..

وكان الأمر العجيب أننا فوجئنا بجهابذة التيار الليبرالي المناهض لكل ما هو ديني حتي ولو كانت له أصول صحيحة وحقيقية فوجئنا بهم يتباكون علي حريق الأضرحة والإساءة إليها .. فكانت المفارقة أن كثير من أتباع هذا التيار قد يسخر من أحاديث صحيحة أو أمور دينية لها أصل صحيح لمجرد انها لا توافق عقولهم ويدعون لنبذها لأنها من وجهة نظرهم جهالة وتخلف .. لكن في هذا الموقف وجدناهم من مناصري الأضرحة وأتباعها .. مما يوحي بأن هؤلاء إن نظروا للدين فإنما يريدون دينا مُغَيَّبا أصحابه يسكنون مع المراقد وفي الأضرحة .. ولا يريد هؤلاء أبداً دينا واقعيا واعيا متحرك في المجتمع ..

علي كل حال استمرت التعبئة الاعلامية والعلمانية مستمرة ضد التيار الديني في وقت كان المجتمع يعاني من كثير من الأزمات سواء من ناحية الغياب الأمني وانتشار البلطجة وقضايا المفسدين الكبار .. لكن بدا من مثل هذا التوجه الإعلامي وكأن قضايا المجتمع تم حلها ولم يبق إلا السلفية التي تفسد السلام والأمن الاجتماعي .. وظل التيار الليبرالي والعلماني ومن يؤيدهم مصرين علي خوض معركة ضد كل ما له صلة بالدين أو بالاسلاميين وظلوا يفرضون عبر وسائل الإعلام إملاءات وواجبات في كيفية تشكيل الدستور الجديد وما يجب وما لا يجب في صياغة هذا الدستور وبالطبع كان التركيز علي نفي كل ما هو ديني أو اسلامي من أن يكون له وجود في الدستور أو في تشكيل الأحزاب ..

وبطريقتهم هذه كانوا نسخة مكررة من النظام الذي طالما حاربوه عندما قام هذا النظام بتفصيل دستور علي مقاس النظام الحاكم وحاشيته ويلفظ ما سواهم .. وبطريقتهم هذه كانوا نسخة مكررة من أرباب الفكر الديمقراطي الغربي عندما طالبوا بالديمقراطية في الشرق الأوسط لكن ديمقراطية لا تجلب لهم حماس لسدة الحكم ..

خلاصة الأمر

أننا الآن نواجه إما عيب جوهري وأصيل في فكرة الديمقراطية ذاتها والتي لا تقبل إلا ما يتوافق مع القوي المسيطرة ولدينا النموذج الغربي وموقفه من حماس التي وصلت للحكم بشكل ’’ديمقراطي’’ لكن تم رفضها لأنها لا تتوافق مع الأهواء الغربية..

وإما أن يكون العيب في التطبيق المصري للديمقراطية وأن الليبراليين والعلمانيين المصريين الذين صدعوا رؤوسنا بدعوات الحريات وقبول الآخر عندما وُضِعوا في اختبار حقيقي لمبادئهم فشلوا ولم يجدوا مفر امام هذا الفشل إلا تعديل أسس الديمقراطية ليقدموا للمجتمع المصري والدولي شكل جديد وهو الديمقراطية علي طريقة المهلبية المصرية...